الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
يقول: تشمم الأسد ناقتي، يظن أنني مفتد بها منه، وأستحمي نفسي فأتركها له ولا أقتحم المهالك بمقاتلته فأما الظن بمعنى اليقين فورد في التنزيل وهو في الشعر كثير، وسيأتي. والآخرة مشتقة من التأخر لتأخرها عنا وتأخرنا عنها، كما أن الدنيا مشتقة من الدنو، على ما يأتي.
وربما قالوا: أولئك في غير العقلاء، قال الشاعر: وقال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا} [الإسراء: 36] وقال علماؤنا: إن في قوله تعالى: {مِنْ رَبِّهِمْ} ردا على القدرية في قولهم: يخلقون إيمانهم وهداهم، تعالى الله عن قولهم ولو كان كما قالوا لقال: {مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، وقد تقدم الكلام فيه وفي الهدى فلا معنى لاعادة ذلك. {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}... {رَبِّهِمْ} يجوز أن يكون مبتدأ ثانيا وخبره {الْمُفْلِحُونَ}، والثاني وخبره خبر الأول، ويجوز أن تكون {رَبِّهِمْ} زائدة يسميها البصريون فاصلة والكوفيون عمادا و{الْمُفْلِحُونَ} خبر {أُولئِكَ}.والفلح أصله في اللغة الشق والقطع، قال الشاعر: أي يشق، ومنه فلاحه الأرضين إنما هو شقها للحرث، قال أبو عبيد. ولذلك سمي الأكار فلاحا. ويقال للذي شقت شفته السفلى أفلح، وهو بين الفلحة، فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه. وقد يستعمل في الفوز والبقاء، وهو أصله أيضا في اللغة، ومنه قول الرجل لامرأته: استفلحي بأمرك، معناه فوزي بأمرك، وقال الشاعر: وقال الأضبط بن قريع السعدي في الجاهلية الجهلاء: يقول: ليس مع كر الليل والنهار بقاء.وقال آخر: أي البقاء: وقال عبيد: أي أبق بما شئت من كيس وحمق فقد يرزق الأحمق ويحرم العاقل. فمعنى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}: أي الفائزون بالجنة والباقون فيها.وقال ابن أبي إسحاق: المفلحون هم الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر مأمنه هربوا، والمعنى واحد. وقد استعمل الفلاح في السحور، ومنه الحديث: حتى كاد يفوتنا الفلاح مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور. أخرجه أبو داود. فكأن معنى الحديث أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سماه فلاحا. والفلاح بتشديد اللام: المكاري في قول القائل: ثم الفلاح في العرف: الظفر بالمطلوب، والنجاة من المرهوب.مسألة: إن قال قائل كيف قرأ حمزة: عليهم واليهم ولديهم، ولم يقرأ من ربهم ولا فيهم ولا جنتيهم؟ فالجواب أن عليهم واليهم ولديهم الياء فيه منقلبة من ألف، والأصل علاهم ولداهم وإلاهم فأقرت الهاء على ضمتها، وليس ذلك في فيهم ولا من ربهم ولا جنتيهم، ووافقه الكسائي في: {عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} و{إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} على ما هو معروف من القراءة عنهما.
أي سترها. ومنه سمي الليل كافرا، لأنه يغطي كل شيء بسواده، قال الشاعر: ذكاء بضم الذال والمد: اسم للشمس، ومنه قول الآخر: أي في ليل. والكافر أيضا: البحر والنهر العظيم. والكافر: الزارع، والجمع كفار، قال الله تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ} [الحديد: 20]. يعني الزراع لأنهم يغطون الحب. ورماد مكفور: سفت الريح عليه التراب. والكافر من الأرض: ما بعد عن الناس لا يكاد ينزله ولا يمر به أحد، ومن حل بتلك المواضع فهم أهل الكفور. ويقال الكفور: القرى.قوله تعالى: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ} معناه معتدل عندهم الإنذار وتركه، أي سواء عليهم هذا. وجئ بالاستفهام من أجل التسوية، ومثله قوله تعالى: {سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ} [الشعراء: 136].وقال الشاعر: قوله تعالى: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} الإنذار الإبلاغ والاعلام، ولا يكاد يكون إلا في تخويف يتسع زمانه للاحتراز، فإن لم يتسع زمانه للاحتراز كان إشعارا ولم يكن إنذارا، قال الشاعر: وتناذر بنو فلان هذا الامر إذا خوفه بعضهم بعضا. واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقيل: هي عامة ومعناها الخصوص فيمن حقت عليه كلمة العذاب، وسبق في علم الله أنه يموت على كفره. أراد الله تعالى أن يعلم أن في الناس من هذه حاله دون أن يعين أحدا.وقال ابن عباس والكلبي: نزلت في رؤساء اليهود، منهم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظراؤهما.وقال الربيع بن أنس: نزلت فيمن قتل يوم بدر من قادة الأحزاب، والأول أصح، فإن من عين أحدا فإنما مثل بمن كشف الغيب عنه بموته على الكفر، وذلك داخل في ضمن الآية.قوله تعالى: {لا يُؤْمِنُونَ} موضعه رفع خبر {إن} أي إن الذين كفروا لا يؤمنون.وقيل: خبر {إن} {سَواءٌ} وما بعده يقوم مقام الصلة، قاله ابن كيسان.وقال محمد بن يزيد: {سَواءٌ} رفع بالابتداء، {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} الخبر، والجملة خبر {إن}. قال النحاس: أي إنهم تبالهوا فلم تغن فيهم النذارة شيئا. واختلف القراء في قراءة {أَأَنْذَرْتَهُمْ} فقرأ أهل المدينة وأبو عمرو والأعمش وعبد الله بن أبي إسحاق: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، واختارها الخليل وسيبويه، وهي لغة قريش وسعد بن بكر، وعليها قول الشاعر: هجاء آنت ألف واحدة.وقال آخر: وروى عن ابن محيصن أنه قرأ: {أنذرتهم أم لم تنذرهم} بهمزة لا ألف بعدها، فحذف لالتقاء الهمزتين، أو لان أم تدل على الاستفهام، كما قال الشاعر: أراد: أتروح، فاكتفى بأم من الالف. وروي عن ابن أبي إسحاق أنه قرأ: {أأنذرتهم} فحقق الهمزتين وأدخل بينهما ألفا لئلا يجمع بينهما. قال أبو حاتم: ويجوز أن تدخل بينهما ألفا وتخفف الثانية، وأبو عمرو ونافع يفعلان ذلك كثيرا. وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بتحقيق الهمزتين: {أأنذرتهم} وهو اختيار أبي عبيد، وذلك بعيد عند الخليل.وقال سيبويه: يشبه في الثقل ضننوا. قال الأخفش: ويجوز تخفيف الأولى من الهمزتين وذلك ردئ، لأنهم إنما يخففون بعد الاستثقال، وبعد حصول الواحدة. قال أبو حاتم: ويجوز تخفيف الهمزتين جميعا. فهذه سبعة أوجه من القراءات، ووجه ثامن يجوز في غير القرآن، لأنه مخالف للسواد. قال الأخفش سعيد: تبدل من الهمزة هاء تقول: هأنذرتهم، كما يقال هياك وإياك، وقال الأخفش في قوله تعالى: {ها أَنْتُمْ} [آل عمران: 66] إنما هو أاأنتم.
ثم لما نقلت العرب هذا المصدر لهذا العضو الشريف التزمت فيه تفخيم قافه، تفريقا بينه وبين أصله. روى ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «مثل القلب مثل ريشة تقلبها الرياح بفلاة». ولهذا المعنى كان عليه الصلاة والسلام يقول: «اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك». فإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله مع عظيم قدره وجلال منصبه فنحن أولى بذلك اقتداء به، قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]. وسيأتي.الخامسة: الجوارح وإن كانت تابعة للقلب فقد يتأثر القلب وإن كان رئيسها وملكها بأعمالها للارتباط الذي بين الظاهر والباطن، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الرجل ليصدق فتنكت في قلبه نكتة بيضاء وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسود قلبه» وروى الترمذي وصححه عن أبي هريرة: «أن الرجل ليصيب الذنب فيسود قلبه فإن هو تاب صقل قلبه». قال: وهو الرين الذي ذكره الله في القرآن في قوله: {كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].وقال مجاهد: القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب إصبع، ثم يطبع.قلت: وفي قول مجاهد هذا، وقوله عليه السلام: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» دليل على أن الختم يكون حقيقيا، والله أعلم. وقد قيل: إن القلب يشبه الصنوبرة، وهو يعضد قول مجاهد، والله أعلم. وقد روى مسلم عن حذيفة قال حدثنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا: «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة». ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه علي دينه ولين كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعية وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا». ففي قوله: الوكت وهو الأثر اليسير. ويقال للبسر إذا وقعت فيه نكتة من الارطاب: قد وكت، فهو موكت. وقوله: المجل، وهو أن يكون بين الجلد واللحم ماء، وقد فسره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: «كجمر دحرجته» أي دورته على رجلك فنفط. فتراه منتبرا أي مرتفعا ما يدل على أن ذلك كله محسوس في القلب يفعل فيه، وكذلك الختم والطبع، والله أعلم.وفي حديث حذيفة قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأى قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه....» وذكر الحديث. «مجخيا»: يعني مائلا.السادسة: القلب قد يعبر عنه بالفؤاد والصدر، قال الله تعالى: {كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ} [الفرقان: 32] وقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] يعني في الموضعين قلبك. وقد يعبر به عن العقل، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] أي عقل، لأن القلب محل العقل في قول الأكثرين. والفؤاد محل القلب، والصدر محل الفؤاد، والله أعلم.السابعة: قوله تعالى: {وَعَلى سَمْعِهِمْ} استدل بها من فضل السمع على البصر لتقدمه عليه، وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ} [الأنعام: 46]. وقال: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [السجدة: 9]. قال: والسمع يدرك به من الجهات الست، وفي النور والظلمة، ولا يدرك بالبصر إلا من الجهة المقابلة، وبواسطة من ضياء وشعاع.وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر على السمع، لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والكلام، والبصر يدرك به الأجسام والألوان والهيئات كلها. قالوا: فلما كانت تعلقاته أكثر كان أفضل، وأجازوا الإدراك بالبصر من الجهات الست.الثامنة: إن قال قائل: لم جمع الأبصار ووحد السمع؟ قيل له: إنما وحده لأنه مصدر يقع للقليل والكثير يقال: سمعت الشيء أسمعه سمعا وسماعا، فالسمع مصدر سمعت، والسمع أيضا اسم للجارحة المسموع بها سميت بالمصدر.وقيل: إنه لما أضاف السمع إلى الجماعة دل على أنه يراد به أسماع الجماعة، كما قال الشاعر: إنما يريد جلودها فوحد، لأنه قد علم أنه لا يكون للجماعة جلد واحد.وقال آخر في مثله: يريد في حلوقكم، ومثله قول الآخر: وإنما يريد وجهين، فقال وجه تركيين، لأنه قد علم أنه لا يكون للاثنين وجه واحد، ومثله كثير جدا. وقرى: {وعلى أسماعهم} ويحتمل أن يكون المعنى وعلى مواضع سمعهم، لأن السمع لا يختم وإنما يختم موضع السمع، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقد يكون السمع بمعنى الاستماع، يقال: سمعك حديثي أي استماعك إلى حديثي يعجبني، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورا تسمع إلى صوت صائد وكلاب: أي ما في استماعه كذب، أي هو صادق الاستماع. والندس: الحاذق. والنبأة: الصوت الخفي، وكذلك الركز. والسمع بكسر السين وإسكان الميم: ذكر الإنسان بالجميل، يقال: ذهب سمعه في الناس أي ذكره. والسمع أيضا: ولد الذئب من الضبع. والوقف هنا: {وَعَلى سَمْعِهِمْ}. و{غِشاوَةٌ} رفع على الابتداء وما قبله خبر. والضمائر في: {قُلُوبِهِمْ} وما عطف عليه لمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن من كفار قريش، وقيل من المنافقين، وقيل من اليهود، وقيل من الجميع، وهو أصوب، لأنه يعم. فالختم على القلوب والاسماع. والغشاوة على الأبصار. والغشاء: الغطاء. وهي:التاسعة: ومنه غاشية السرج، وغشيت الشيء أغشية. قال النابغة: وقال آخر: قال ابن كيسان: فإن جمعت غشاوة قلت: غشاء بحذف الهاء.وحكى الفراء: غشاوى مثل أداوي. وقرى: {غِشاوَةٌ} بالنصب على معنى وجعل، فيكون من باب قوله: وقول الآخر: المعنى وأسقيتها ماء، وحاملا رمحا، لأن الرمح لا يتقلد. قال الفارسي: ولا تكاد تجد هذا الاستعمال في حال سعة واختيار، فقراءة الرفع أحسن، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة. قال: ولم أسمع من الغشاوة فعلا متصرفا بالواو.وقال بعض المفسرين: الغشاوة على الاسماع والأبصار، والوقف على {قُلُوبِهِمْ}.وقال آخرون: الختم في الجميع، والغشاوة هي الختم، فالوقف على هذا على {غِشاوَةٌ}. وقرأ الحسن {غشاوة} بضم الغين، وقرأ أبو حيوة بفتحها، وروي عن أبي عمرو: غشوة، رده إلى أصل المصدر. قال ابن كيسان: ويجوز غشوة وغشوة وأجودها غشاوة، كذلك تستعمل العرب في كل ما كان مشتملا على الشيء، نحو عمامة وكنانة وقلادة وعصابة وغير ذلك.العاشرة: قوله تعالى: {وَلَهُمْ} أي للكافرين المكذبين {عَذابٌ عَظِيمٌ} نعته. والعذاب مثل الضرب بالسوط والحرق بالنار والقطع بالحديد، إلى غير ذلك مما يؤلم الإنسان.وفي التنزيل: {وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وهو مشتق من الحبس والمنع، يقال في اللغة: أعذبه عن كذا أي أحبسه وأمنعه، ومنه سمي عذوبة الماء، لأنها قد أعذبت. واستعذب بالحبس في الوعاء ليصفو ويفارقه ما خالطه، ومنه قول علي رضي الله عنه: أعذبوا نساءكم عن الخروج، أي احبسوهن. وعنه رضي الله عنه وقد شيع سرية فقال: أعذبوا عن ذكر النساء أنفسكم فإن ذلك يكسركم عن الغزو، وكل من منعته شيئا فقد أعذبته، وفي المثل: لألجمنك لجاما معذبا أي مانعا عن ركوب الناس. ويقال: أعذب أي امتنع. وأعذب غيره، فهو لازم ومتعد، فسمي العذاب عذابا لان صاحبه يحبس ويمنع عنه جميع ما يلائم الجسد من الخير ويهال عليه أضدادها.
|